الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال صاحب الكشاف في معنى الآية بفضل الله وبرحمته فليفرحوا فبذلك.فليفرحوا والتكرير للتأكيد والتقرير إيجاب اختصاص الفضل والرحمة بالفرح دون ما عداهما من فوائد الدنيا فحذف أحد الفعلين لدلالة المذكور عليه والفاء داخلة لمعنى الشرط فكأنه قيل: إن فرحوا بشيء فليخصوهما بالفرح، فإنه لا مفروح به أحق منهما، والفرح: لذة في القلب بإدراك المحبوب والمشتهى.يقال: فرحت بكذا إذا أدركت المأمول ولذلك أكثر ما يستعمل الفرح في اللذات البدنية الدنيوية واستعمل هنا فيما يرغب فيه من الخيرات ومعنى الآية ليفرح المؤمنون بفضل الله ورحمته أي ما آتاهم الله من المواعظ وشفاء الصدور وثلج اليقين بالإيمان وسكون النفس إليه: {هو خير مما يجمعون} يعني من متاع الدنيا ولذاتها الفانية هذا مذهب أهل المعاني في هذه الآية.وأما مذهب المفسرين فغير هذا، فإن ابن عباس والحسن وقتادة قالوا: فضل الله الإسلام ورحمته القرآن وقال أبو سعيد الخدري: فضل الله القرآن ورحمته أن جعلنا من أهله.وقال ابن عمر: فضل الله الإسلام ورحمته تزيينه في قلوبنا.وقيل: فضل الله الإسلام ورحمته الجنة.وقيل: فضل الله القرآن ورحمته السنن.فعلى هذا الباء في بفضل الله تتعلق بمحذوف يفسره ما يعده تقديره قل فليفرحوا بفضل الله وبرحمته: {قل} أي قل يا محمد لكفار مكة: {أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق} يعني من زرع وضرع وغيرهما وعبر عما في الأرض بالإنزال لأن جميع ما في الأرض من خير ورزق فإنما هو من بركات السماء: {فجعلتم منه} يعني من ذلك الرزق: {حرامًا وحلالًا} يعني ما حرموه على أنفسهم في الجاهلية من الحرث والأنعام، كالبحيرة والسائبة والوصيلة والحامي.قال الضحاك: هو قوله سبحانه وتعالى: {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبًا}، {قل آلله أذن لكم} يعني: قل لهم يا محمد آلله أذن لكم في هذا التحريم: {أم على الله تفترون} يعني بل أنتم كاذبون على الله في ادعائكم أن الله أمرنا بهذا: {وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة} يعني: إذا لقوه يوم القيامة أيحسبون أنه لا يؤاخذهم على أعمالهم فهو استفهام بمعنى التوبيخ والتقريع والوعيد العظيم لمن يفتري على الله الكذب: {إن الله لذو فضل على الناس} يعني ببعثة الرسل وإنزال الكتب لبيان الحلال والحرام: {ولكن أكثرهم لا يشكرون} يعني: لا يشكرون الله على ذلك الفضل والإحسان. قوله سبحانه وتعالى: {وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن} الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وحده والشأن الخطب والحال والأمر الذي يتفق ويصلح ولا يقال إلا فيما يعظم من الأحوال والأمور والجمع الشؤون تقول العرب ما شأن فلان أي ما ماله.والشأن اسم إذا كان بمعنى الخطب والحال ويكون مصدرًا إذا كان معناه القصد والذي في هذه الآية يجوز أن يكون المراد به الاسم.قال ابن عباس: معناه، وما تكون يا محمد في شأن يريد من أعمال البر؟ وقال الحسن: في شأن من شؤون الدنيا وحوائجك ويجوز أن يكون المراد منه القصد يعني قصد الشيء وما تتلو منه من قرآن.اختلفوا في الضمير في منه إلى ماذا يعود فقيل: يعود إلى الشأن إذا تلاوة القرآن شأن من شؤون رسول الله صلى الله عليه وسلم بل هو أعظم شؤونه، فعلى هذا يكون داخلًا تحت قوله تعالى: {وما تكون في شأن} إلا أنه سبحانه وتعالى خصة بالذكر لشرفه وعلو مرتبته.وقيل: إنه راجع إلى القرآن لأنه قد تقدم ذكره في قوله سبحانه وتعالى: {قل بفضل الله وبرحمته}، فعلى هذا يكون المعنى وما تتلو من القرآن من قرآن يعني من سورة وشيء منه لأن لفظ القرآن يطلق على جميعه وعلى بعضه.وقيل: الضمير في منه راجع إلى الله والمعنى وما تتلو من الله من قرآن نازل عليك.وأما قول سبحانه وتعالى: {ولا تعملون من عمل} فإنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته داخلون فيه ومرادون به، لأن من المعلوم أنه إذا خوطب رئيس قوم وكبيرهم، كان القوم داخلين في ذلك الخطاب.ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى: {ولا تعلمون من عمل} على صيغة الجمع فدل على أنهم داخلون في الخطابين الأولين وقوله سبحانه وتعالى: {إلا كنا عليكم شهودًا} يعني شاهدين لأعمالكم وذلك لأن الله سبحانه وتعالى شاهد على كل شيء وعالم بكل شيء أنه لا محدث ولا خالق ولا موجد إلا الله تعالى فكل ما يدخل في الوجود من أحوال العباد وأعمالهم الظاهرة والباطنة داخل في علمه وهو شاهد عليه: {إذ تفيضون فيه} يعني أن الله سبحانه وتعالى شاهد عليكم حين تدخلون وتخوضون في ذلك العمل. والإفاضة: الدخول في العمل على جهة الانتصاب إليه والانبساط فيه. وقال ابن الأنباري: معناه إذا تدفعون فيه وتبسطون في ذكره. وقيل: الإفاضة: الدفع بكثرة. وقال الزجاج: تنشرون فيه. يقال: أفاض القوم في الحديث، إذا انتشروا فيه: {وما يعزب عن ربك} يعني: وما يبعد ويغيب عن ربك يا محمد من عمل خلقه شيء لأنه عالم به وشاهد عليه. وأصل العزوب: البعد.يقال منه كلام عازب إذا كان بعيد المطلب: {من مثقال ذرة} يعني وزن ذرة والمثقال: الوزن. والذرّة: النملة الصغيرة الحمراء وهي خفيفة الوزن جدًا: {في الأرض ولا في السماء} فإن قلت: لمَ قدم ذكر الأرض على لاسماء هنا وقدم ذكر السماء على الأرض في سورة سبأ وما فائدة ذلك؟ قلت: كان حق السماء أن تقدم على الأرض كما في سورة سبأ إلا أنه تعالى لما ذكر في هذه الآية شهادته على أهل الأرض وأحوالهم وأعمالهم، ثم وصل ذلك بقوله وما يعزب عن ربك حسن تقديم الأرض على السماء في هذا الموضع لهذه الفائدة: {ولا أصغر من ذلك} يعني من الذرة: {ولا أكبر} يعني منها: {إلا في كتاب مبين} يعني في اللوح المحفوظ.قوله سبحانه وتعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} اعلم أننا نحتاج أولًا في تفسير هذه الآية أن نبين من يستحق اسم الولاية ومن هو الولي فنقول: اختلف العلماء فيمن يستحق هذا الاسم فقال ابن عباس في هذه الآية هم الذين يذكر الله لرؤيتهم وروى الطبري بسنده عن سعيد بن جبير مرسلًا قال: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولياء الله فقال هم الذين إذ رؤوا ذكر الله». وقال ابن زيد: هم الذين آمنوا وكانوا يتقون ولن يتقبل الإيمان إلا بالتقوى.وقال قوم: هم المتحابون في الله.ويدل على ذلك ما روي عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من عباد الله لأناسًا ما هم بأنبياء ولا بشهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله قالوا يا رسول الله تخبرنا من هم؟. قال: هم قوم تحابوا في الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتقاطعونها فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى نور لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس. وقرأ هذه الآية: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}». أخرجه أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تبارك وتعالى يوم القيامة أين المتحابون بجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي» أخرجه مسلم.عن معاذ بن جبل قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال الله تعالى: المتحابون بجلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء». أخرجه الترمذي.
|